أم المؤمنين عائشةبنت الصديق
هى أم المؤمنين عائشة بنت أبى بكر الصديق الطاهرة المبرئة من السماء حبيبة رسول الله( صلى الله عليه و سلم) قال عنها عروة بن الزبير ( ما رأيت أحداً أعلم بالقرآن ولا بفرائضه ولا بحلال ولا بحرام ولا بشعر ولا بحديث عرب ولا بنسب من عائشة).
عن عائشة: أن النبي( صلى الله عليه وسلم) قال لها: (أريتك في المنام، مرتين أرى أنك في سرقة من حرير ويقول هذه امرأتك، فأكشف عنها فإذا هي أنت، فأقول إن كان هذا من عند الله يمضه).
روى الامام أحمد فى مسنده: لما هلكت خديجة جاءت خَوْلَة بنت حكيم امرأة عثمان بن مَظْعُون قالت: يا رسول الله! ألا تزوّج؟ قال: (من ؟) . قالت: إن شئت بكراً وإن شئت ثيباً. قال: (فمن البِكر ؟). قالت: ابنة أحب خلق الله عز وجلّ إليك عائشة بنت أبي بكر.
قال: (ومن الثييب ؟) . قالت: سودة بنت زمعة، قد آمنت بك واتبعتك على ما تقول، قال: (فاذهبي، فاذكريهما علي). فدخلت بيت أبي بكر، فقالت: يا أم رومان! ماذا أدخل الله ،عز وجل ،عليكم من الخير والبركة. قالت: وما ذلك؟ قالت: أرسلني رسول الله (صلّى الله عليه وسلَّم) أخطب عليه عائشة.
قالت: انتظري أبا بكر حتى يأتي، فجاء أبو بكر. فقالت: يا أبا بكر! ماذا أدخل الله عليكم من الخير والبركة . قال: وما ذاك؟ قالت: أرسلني رسول الله (صلّى الله عليه وسلَّم) أخطب عليه عائشة.
قال: وهل تصلح له؟ إنما هي ابنة أخيه. فرجعت إلى رسول الله (صلّى الله عليه وسلَّم) فذكرت له ذلك. قال: (ارجعي إليه فقولي له: أنا أخوك وأنت أخي في الإسلام، وابنتك تصلح لي). فرجعت فذكرت ذلك له، قال: انتظري، وخرج.
قالت أم رومان: إن مطعم بن عدي قد كان ذكرها على ابنه، فوالله ما وعد وعدا قط فأخلفه، لأبي بكر، فدخل أبو بكر على مطعم بن عدي، وعنده امرأته أم الفتى، فقالت: يا ابن أبي قُحافة! لعلك مصب صاحبنا مدخله في دينك الذي أنت عليه إن تزوج إليك، قال أبو بكر للمطعم بن عدي: أقول هذه تقول؟
قال: إنها تقول ذلك، فخرج من عنده وقد أذهب الله (عز وجل ) ما كان في نفسه من عدته التي وعده، فرجع، فقال لخولَة: ادعي لي رسول الله (صلّى الله عليه وسلَّم) فزوجها إياه، وعائشة يومئذ بنت ست سنين.
فلما هاجر رسول الله (صلّى الله عليه وسلَّم) إلى المدينة خلف أهله وبناته، ثم إنهم قدموا المدينة، فنزلت عائشة (رضي الله عنها) مع عيال أبي بكر بالسنح، فلم تلبث أن وعكت ( أي أصابتها الحمى ) فكان أبو بكر (رضي الله عنه) يدخل عليها قيقبِل خدّها ويقول: كيف أنت يا بُنية؟ قالت عائشة: فتمرق شعري تساقط فوفَى جميمة ( كثر)
فقال أبو بكر: يا رسول الله! ما يمنعك من أن تبني بأهلك؟ فقال رسول الله (صلّى الله عليه وسلَّم) (الصداق)، فأعطاه أبو بكر خمسمائة درهم.
قالت عائشة: فجاء رسول الله (صلّى الله عليه وسلَّم) ضحى فدخل بيتنا، فأتتني أمي أم رومان، وإني لفي أُرجوحة ومعي صواحب لي، فصرخت بي، فأتيتها لا أدري ما تريد بي، فأخذت بيدي حتى أوقفتني على باب الدار وإني لأُنهِج حتى سكن بعض نفسي، ثم أخذت شيئاً من ماء فمسحت به وجهي ورأسي، ثم أدخلتني الدار، فإذا نسوة من الأنصار في البيت، فقُلن على الخير والبركة، وعلى خير طائر، فأسلمتني إليهن، فأصلحن من شأني، فلم يرعني إلاّ رسول الله (صلّى الله عليه وسلَّم) فأسلمتني إليه، وهي يومئذ بنت تسع سنين ولُعبها معها.
من أخص مناقبها ما علم من حب رسول( اللّه صلى اللّه عليه وسلم) لها، وشاع من تخصيصها عنده، ولم يتزوج بكراً سواها ونزول القرآن في عذرها وبراءتها، والتنويه بقدرها، ووفاة رسول اللّه( صلى اللّه عليه وسلم) بين سحرها ونحرها، وفي نوبتها، وريقها في فمه الشريف، لأنه كان يأمرها أن تندي له السواك بريقها، ونزول الوحي في بيتها، وهو في لحافها.
عن عائشة قالت: قلت: يا رسول الله أرأيت لو نزلت وادياً وفيه شجرة قد أكل منها، ووجدت شجرة لم يؤكل منها في أيها كنت ترتع بعيرك؟ قال: ((في التي لم يرتع منها)) تعني أن النبي( صلى الله عليه وسلم) لم يتزوج بكراً غيرها.
عن أنس (رضي الله عنه) أن النبي (صلّى الله عليه وسلَّم) سئل: من أحب الناس إليك؟ قال: (عائشَةُ)، فقيل: من الرجال ؟، قال: (أبوها).
وكان رسول الله (صلّى الله عليه وسلَّم) يلاطف عائشة (رضي الله عنها)ويباسطها، ويراعي صغر سنها، روي عنها أنها كانت تلعب بالبنات( أى العرائس) عند رسول الله (صلّى الله عليه وسلَّم) قالت: وكانت تأتيني صواحبي فكن ينقمعن ( يتسترن) من رسول الله (صلّى الله عليه وسلَّم )قالت: فكان رسول الله (صلّى الله عليه وسلَّم) يسربهن إلي.
وقالت: خرجت مع النبي (صلّى الله عليه وسلَّم) في بعض أسفاره وأنا جارية لم أحمل اللّحم ولم أبدن، فقال للناس: (تقَدَموا)، فتقدموا، ثم قال لي: (تَعالَي حتى أُسابِقك)، فسابقته، فسبقته، فسكت عني، حتى إذا حملت اللحم، وبدنت ونسيت خرجت معه في بعض أسفاره، فقال للناس: (تقَدموا)، فتقدموا. ثم قال لي: (تَعالَي حتى أُسابِقَك)، فسابقته، فسبقني، فجعل يضحك وهو يقول: (هذه بتلك).
عن عائشةَ: أَن رسول الله (صلَى الله علَيه وسلم) كان يقول لَها: (إِني لأَعلَم إِذَا كنت عني راضيةً، وإِذَا كنت علَي غضبى). قَالَت: وكيف يا رسول الله؟ قَالَ: (إِذَا كنت عني راضيةً، قلت: لا، ورب محمد، وإِذَا كنت علَي غضبى، قلت: لا، ورب إِبراهيم). قلت: أَجل، والله ما أَجهر إلا اسمك.
عن عائشة، أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) كان يسأل في مرضه الذي مات فيه أين أنا غداً، أين أنا غداً، يريد يوم عائشة، فأذن له أزواجه أن يكون حيث شاء، فكان في بيت عائشة، حتى مات عندها.
قالت عائشة( رضي الله عنها)فمات في اليوم الذي كان يدور علي فيه في بيتي، وقبضه الله وإن رأسه لبين سحري ونحري، وخالط ريقه ريقي، قالت: ودخل عبد الرحمن ابن أبي بكر ومعه سواك يستن به، فنظر إليه رسول الله( صلى الله عليه وسلم) فقلت له: أعطني هذا السواك يا عبد الرحمن، فأعطانيه، فقضمته ثم مضغته فأعطيته رسول الله (صلى الله عليه وسلم )فاستن به، وهو مسند إلى صدري.
ومن خصائصها: أنها أعلم نساء النبي( صلى الله عليه وسلم) بل هي أعلم النساء على الإطلاق
حادثةالأفك: قالت: كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) إذا أراد سفراً أقرع بين نسائه فأيتهن خرج سهمها خرج بها معه، فلما كان غزوة بني المصطلق أقرع بين نسائه، كما كان يصنع، فخرج سهمي عليهن معه، فخرج بي رسول الله( صلى الله عليه وسلم).
قالت: فلما فرغ رسول الله (صلى الله عليه وسلم) من سفره ذلك، وجه قافلاً حتى إذا كان قريباً من المدينة نزل منزلاً فبات به بعض الليل، ثم أذن مؤذن في الناس بالرحيل، فارتحل الناس وخرجت لبعض حاجتي، وفي عنقي عقد لي فيه جزع ظفار، فلما فرغت انسل من عنقي ولا أدري، فلما رجعت إلى الرحل ذهبت ألتمسه في عنقي فلم أجده، وقد أخذ الناس في الرحيل، فرجعت إلى مكاني الذي ذهبت إليه فالتمسته حتى وجدته.
وجاء القوم خلافي الذين كانوا يرحلون لي البعير، وقد كانوا فرغوا من رحلته، فأخذوا الهودج وهم يظنون أني فيه، كما كنت أصنع فاحتملوه فشدوه على البعير، ولم يشكوا أني فيه ثم أخذوا برأس البعير، فانطلقوا به فرجعت إلى العسكر وما فيه داع ولا مجيب، قد انطلق الناس.
قالت: فتلففت بجلبابي ثم اضطجعت في مكاني، وعرفت أن لو افتقدت لرجع الناس إلي.
قالت: فوالله إني لمضطجعة إذ مر بي صفوان بن المعطل السلمي، وكان قد تخلف عن العسكر لبعض حاجاته، فلم يبت مع الناس فرأى سوادي فأقبل حتى وقف علي، وقد كان يراني قبل أن يضرب علينا الحجاب، فلما رآني قال: إنا لله وإنا إليه راجعون ظعينة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وأنا متلففة في ثيابي.
قال: ما خلفك يرحمك الله ؟ قالت: فما كلمته.
ثم قرب إلي البعير فقال: اركبي، واستأخر عني. قالت: فركبت وأخذ برأس البعير فانطلق سريعاً يطلب الناس، فوالله ما أدركنا الناس وما افتقدت حتى أصبحت ونزل الناس، فلما اطمأنوا طلع الرجل يقود بي، فقال أهل الإفك ما قالوا، وارتج العسكر، والله ما أعلم بشيء من ذلك.
ثم قدمنا المدينة فلم ألبث أن اشتكيت شكوى شديدة لا يبلغني من ذلك شيء، وقد انتهى الحديث إلى رسول الله( صلى الله عليه وسلم )وإلى أبوي لا يذكرون لي منه قليلاً ولا كثيراً، إلا أني قد أنكرت من رسول الله( صلى الله عليه وسلم) بعض لطفه بي، كنت إذا اشتكيت رحمني ولطف بي، فلم يفعل ذلك بي في شكواي ذلك، فأنكرت ذلك منه.
كان إذا دخل علي وعندي أمي تمرضني قال
كيف تيكم ؟)لا يزيد على ذلك. قالت: حتى وجدت في نفسي، فقلت: يا رسول الله حين رأيت ما رأيت من جفائه لي لو أذنت لي، فانتقلت إلى أمي فمرضتني ؟ قال: (لا عليك).
قالت: فانقلبت إلى أمي، ولا علم لي بشيء مما كان حتى نقهت من وجعي بعد بضع عشرين ليلة، فخرجت ليلة لبعض حاجتي ومعي أم مسطح ابنة أبي رهم بن المطلب.
قالت: فوالله إنها لتمشي معي إذ عثرت في مرطها فقالت: تعس مسطح ( ومسطح لقب واسمه عوف ) قالت: فقلت: بئس لعمرو الله ما قلت لرجل من المهاجرين وقد شهد بدراً. قالت: أو ما بلغك الخبر يا بنت أبي بكر ؟
قالت: قلت: وما الخبر ؟ فأخبرتني بالذي كان من قول أهل الإفك. قلت: أو قد كان هذا ؟ قالت: نعم والله لقد كان.
قالت: فوالله ما قدرت على أن أقضي حاجتي، ورجعت فوالله ما زلت أبكي حتى ظننت أن البكاء سيصدع كبدي؛ قالت:وقلت لأمي: يغفرالله لك تحدث الناس بما تحدثوابه ولا تذكرين لي من ذلك شيئاً ؟
قالت: وقد قام رسول الله( صلى الله عليه وسلم) في الناس فخطبهم ولا أعلم بذلك، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: (أيها الناس ما بال رجال يؤذونني في أهلي، ويقولون عليهم غير الحق، والله ما علمت عليهم إلا خيراً، ويقولون ذلك لرجل والله ما علمت منه إلا خيراً، ولا يدخل بيتاً من بيوتي إلا وهو معي).
قالت: ثم دخل علي رسول الله( صلى الله عليه وسلم) وعندي أبواي، وعندي امرأة من الأنصار وأنا أبكي وهي تبكي، فجلس فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: (يا عائشة إنه قد كان ما بلغك من قول الناس فاتقي الله، وإن كنت قد فارقت سوءاً مما يقول الناس فتوبي إلى الله، فإن الله يقبل التوبة عن عباده).
قالت: فوالله إن هو إلا أن قال لي ذلك، فقلص دمعي حتى ما أحس منه شيئاً، وانتظرت أبوي أن يجيبا عني رسول الله( صلى الله عليه وسلم) فلم يتكلما. قالت: فلما لم أرَ أبوي يتكلمان، قلت لهما: ألا تجيبان رسول الله(صلى الله عليه وسلم)؟ فقالا: والله ما ندري بما نجيبه. قالت: ووالله ما أعلم أهل بيت دخل عليهم ما دخل علي آل أبي بكر في تلك الأيام.
قالت: فلما استعجما علي استعبرت فبكيت، ثم قلت: والله لا أتوب إلى الله مما ذكرت أبداً، والله إني لأعلم لئن أقررت بما يقول الناس، والله يعلم أني منه بريئة، لأقولن ما لم يكن، ولئن أنا أنكرت ما يقولون لا تصدقونني.
قالت: ثم التمست اسم يعقوب فما أذكره فقلت: ولكن سأقول كما قال أبو يوسف: فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون.
قالت: فوالله ما برح رسول الله( صلى الله عليه وسلم) مجلسه، حتى تغشاه من الله ما كان يتغشاه، فسجي بثوبه، ووضعت وسادة من أدم تحت رأسه، فأما أنا حين رأيت من ذلك ما رأيت، فوالله ما فزعت وما باليت قد عرفت أني بريئة، وأن الله غير ظالمي.
وأما أبواي فوالذي نفس عائشة بيده ما سري عن رسول الله( صلى الله عليه وسلم) حتى ظننت لتخرجن أنفسهما فرقاً من أن يأتي من الله تحقيق ما قال الناس.
قالت: ثم سري عن رسول الله( صلى الله عليه وسلم) فجلس وإنه ليتحدر من وجهه مثل الجمان في يوم شات، فجعل يمسح العرق عن وجهه ويقول: (أبشري يا عائشة قد أنزل الله عز وجل براءتك) قالت: قلت الحمد لله.
ثم خرج إلى الناس فخطبهم، وتلا عليهم .
وفاتها: وقد كانت وفاتها سنة ثمان وخمسين. ليلة الثلاثاء السابع عشر من رمضان. وأوصت أن تدفن بالبقيع ليلاً، وصلى عليها أبو هريرة بعد صلاة الوتر، وكان عمرها يومئذ سبعاً وستين سنة. رحمةالله تعالى عليكم أهل البيت إنه حميدمجيد.